هذه القصة تحتاج لقليل من التدقيق لاستجلاء حقيقتها:
فلو أننا استعرضنا أقوال سيدنا موسى عليه السلام لفرعون وآله وللسحرة قبل المباراة لاستبان لنا وجه الحقيقة،فقوله عليه السلام لفرعون وآله:{.. أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (77) سورة يونس.
فهل أفلح الساحرون وخيَّلوا له وسحروه كما سحروا أعين الناس؟!. وقوله عليه السلام للسحرة: {فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ،فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (80-81) سورة يونس.
فلو كان كما ظنوا أن سيدنا موسى سُحِر وحصل له تخيل أو أثَّر عليه التخييل لما استطاع أن يهاجمهم بقوله: ما جئتم به السحر إنَّ الله سيبطله، أي: تخيلات زائفة كالسراب لا حقيقة لها، لأنه قالها بعد أن ألقوا حبالهم وعصيهم، وظهرت لأعين الناس أفاعي ضخمة وحيَّات خيالاً لا حقيقة، ولكن الناس ظنوها حقيقة. إذاً: فلو سُحِر عليه السلام لما قال لهم بعد ما ألقوا حبالهم وعصيهم :
{.. إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ..}، لأن المسحور لا يستطيع أن يهاجم، وذلك القول أبلغ التحدي والاستهزاء بعمل السحرة، فكيف يقولون أنه عليه السلام سحر؟!.
إذن: فقول سيدنا موسى عليه السلام للسحرة:{.. مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ..}: هذا هو السحر: الأعمال التخييلية الشيطانية، هذه الخديعة تنطلي على البسطاء عميان القلوب، ولا تنطلي على أهل البصائر.